كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)}.
{إِذْ أَوَى} معمول {عَجَبًا} [الكهف: 9] أو {كَانُواْ} [الكهف: 9] أو اذكر مقدرًا، ولا يجوز أن يكون ظرفًا لحسبت لأن حسبانه لم يكن في ذلك الوقت أي حين التجأ {الفتية إِلَى الكهف} واتخذوه مأوى ومكانًا لهم، والفتية جمع قلة لفتى، وهو كما قال الراغب وغيره الطري من الشبان ويجمع أيضًا على فتيان، وقال ابن السراج: إنه اسم جمع وقال غير واحد أنه جمع فتى كصبي وصبية، ورجح بكثرة مثله، والمراد بهم أصحاب الكهف، وإيثار الإظهار على الإضمار لتحقيق ما كانوا عليه في أنفسهم من حال الفتوة، فقد روي أنهم كانوا شبانًا من أبناء أشراف الروح وعظمائهم مطوقين مسورين بالذهب ذوي ذوائب، وقيل لأن صاحبية الكهف من فروع التجائهم إلى الكهف، فلا يناسب اعتبارها معهم قبل بيانه، والظاهر مع الضمير اعتبارها، وليس الأمر كذلك مع هذا الظاهر وإن كانت أل فيه للعهد {فَقَالُواْ رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ} أي من عندك {رَحْمَةً} عظيمة أو نوعًا من الرحمة فالتنوين للتعظيم أو للنوع، و{مِنْ} للابتداء متعلق بآتنا، ويجوز أن يتعلق بمحذوف وقع حالًا من رحمة قدم عليها لكونها نكرة ولو تأخر لكان صفة لها، وفسرت الرحمة بالمغفرة والرزق والأمن والأولى تفسيرها بما يتضمن ذلك وغيره، وفي ذكر {مِن لَّدُنْكَ} إيماءً إلى أن ذلك من باب التفضل لا الوجوب فكأنهم قالوا ربنا تفضل علينا برحمة {وَهَيّئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا} الذي نحن عليه من مهاجرة الكفار والمثابرة على طاعتك، وقرأ أبو جعفر وشيبة والزهري {وهيى} بياءين من غير همز يعني أنهم أبدلوا الهمزة الساكنة ياء، وفي كتاب ابن خالويه قرأ الأعمش عن أبي بكر عن عاصم {رَّحِيمٌ وَهِىَ} بلا همز انتهى.
وهو يحتمل أن يكون قد أبدل الهمزة ياءً وأن يكون حذفها، والأول إبدال قياسي، والثاني مختلف فيه إينقاس حذف الحرف المبدل من الهمزة في الأمر والمضارع المجزومين أم لا، وأصل التهيئة إحداث الهيئة وهي الحالة التي يكون عليها الشيء محسوسة أو معقولة ثم استعمل في إحضاء الشيء وتيسيره أي يسر لنا من أمرنا {رَشَدًا} إصابة للطريق الموصل إلى المطلوب واهتداءً إليه، وقرأ أبو رجاء {رَشَدًا} بضم الراء وإسكان الشين والمعنى واحد إلا أن الأوفق بفواصل الآيات قراءة الجمهور، وإلى اتحاد المعنى ذهب الراغب قال: الرشد بفتحتين خلاف الغي ويستعمل استعمال الهداية وكذا الرشد بضم فسكون.
وقال بعضهم: الرشد أي بفتحتين كما في بعض النسخ المضبوطة أخص من الرشد لأن الرشد بالضم يقال في الأمور الدنيوية والأخروية والرشد يقال في الأمور الأخروية لا غير اهـ.، وفيه مخالفة لما ذكره ابن عطية فإنه قال: إن هذا الدعاء منهم كان في أمر دنياهم وألفاظه تقتضي ذلك وقد كانوا على ثقة من رشد الآخرة ورحمتها، وينبغي لكل مؤمن أن يجعل دعاءه في أمر دنياه لهذه الآية فإنها كافية.
ويحتمل أن يراد بالرحمة رحمة الآخرة اهـ.، نعم فيما قاله نظر، والأولى جعل الدعاء عامًا في أمر الدنيا والآخرة وإن كان تعقيبه بما بعد ظاهرًا في كونه خاصًا في أمر الأولى واللام ومن متعلقان بهيء فإن اختلف معناهما بأن كانت الأولى للأجل والثانية ابتدائية فلا كلام، وإن كانتا للأجل احتاجت صحة التعلق إلى الجواب المشهور.
وتقديم المجرورين على المفعول الصريح لإظهار الاعتناء بهما وإبراز الرغبة في المؤخر وكذا الكلام في تقديم {مِن لَّدُنْكَ} على رحمة على تقدير تعلقه بآتنا، وتقديم المجرور الأول على الثاني للإيذان من أول الأمر بكون المسؤول مرغوبًا فيه لديهم، وقيل الكلام على التجريد وهو إن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله مبالغة كأنه بلغ إلى مرتبة من الكمال بحيث يمكن أن يؤخذ منه آخر كرأيت منك أسدًا أي اجعل أمرنا كله رشدًا.
{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)}.
{فَضَرَبْنَا على ءاذَانِهِمْ} أي ضربنا عليها حجابًا يمنع السماع فالمفعول محذوف كما في قولهم: بنى على امرأته والمراد أنمناهم إنامة ثقيلة لاتنبههم فيها الأصوات بأن يجعل الضرب على الآذان كناية عن الإنامة الثقيلة وإنما صلح كناية لأن الصوت والتنبيه طريق من طرق إزالة النوم فسد طريقه يدل على استحكامه وأما الضرب على العين وإن كان تعلقه بها أشد فلا يصلح كناية إذ ليس المبصرات من طرق إزالته حتى يكون سد الأبصار كناية ولو صلح كناية فعن ابتداء النوم لا النومة الثقيلة. واعترض القطب جعله كناية عما ذكر بما لا يخفى رده وخرج الآية على الاستعارة المكنية بأن يقال شبه الإنامة الثقيلة بضرب الحجاب على الآذان ثم ذكر ضربنا وأريد أنمنا وهو وجه فيها، وجوز أن تكون من باب الاستعارة التمثيلية واختاره بعض المحققين.
ومن الناس من حمل الضرب على الآذان على تعطيلها كما في قولهم ضرب الأمير على يد الرعية أي منعهم عن التصرف.
وتعقب بأنه مع عدم ملاءمته لما سيأتي ءن شاء الله تعالى من البعث لا يدل على إرادة النوم مع أنه المراد قطعًا.
وأجيب بأنه يمكن أن يكون مراد الحامل التوصل بذلك إلى إرادة الإنامة فافهم.
والضرب إما من ضربت القفل على الباب أو من ضربت الخباء على ساكنه، والفاء هنا مثلها في قوله تعالى: {فاستجبنا لَهُ} بعد قوله سبحانه: {إِذْ نادى} [الأنبياء: 76] فإن الضرب المذكور وما يترتب عليه من التقليب ذات اليمين وذات الشمال والبعث وغير ذلك من آثار استجابة دعائهم السابق {فِى الكهف} ظرف لضربنا وكذا قوله عز وجل: {سِنِينَ} ولا مانع من ذلك لاسيما وقد تغايرا بالمكانية والزمانية {عَدَدًا} أي ذوات عدد على أنه مصدر وصف بالتأويل الشائع، وقيل إنه صفة بمعنى معدودة، وقيل إنه مصدر لفعل مقدر أي تعد عددًا، والعدد على ما قال الراغب وغيره قد يراد به التكثير لأن القليل لا يحتاج إلى العد غالبًا وقد يذكر للتقليل في مقابلة ما لا يحصى كثرة كما يقال بغير حساب وهو هنا يحتمل الوجهين والأول هو الأنسب بإظهار كمال القدرة والثاني هو الأليق بمقام إنكار كون القصة عجبًا من بين سائر الآيات العجيبة فءن مدة لبثهم وإن كثرت في نفسه فهي كبعض يوم عند الله عز وجل.
وفي الكشف أن الكثرة تناسب نظرًا إلى المخاطبين والقلة تناسب نظرًا إلى المخاطب اهـ.، وقد خفي على العز بن عبد السلام أمر هذا الوصف وظن أنه لا يكون للتكثير وأن التقليل لا يمكن هاهنا وهو غريب من جلالة قدره وله في أماليه أمثال ذلك.
وللعلامة ابن حجر في ذلك كلام ذكره في الفتاوى الحديثية لا أظنه شيئًا.
{ثُمَّ بعثناهم} أي أيقظناهم وأثرناهم من نومهم {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ} أي منهم وهم القائلون {لبثنا يومًا أو بعض يوم} [الكهف: 19] والقائلون: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} [الكهف: 19] وقيل أحد الحزبين الفتية الذين ظنوا قلة زمان لبثهم، والثاني أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم وكان عندهم تاريخ غيبتهم، وزعم ابن عطية أن هذا قول جمهور المفسرين وعن ابن عباس أن أحد الحزبين الفتية والآخر الملوك الذين تداولوا ملك المدينة واحدًا بعد واحد وعن مجاهد: الحزبان قوم أهل الكهف حزب منهم مؤمنون وحزب كافرون، وقال الفراء: الحزبان مؤمنان كانوا في زمنهم، واختلفوا في مدة لبثهم، وقال السدي: الحزبان كافران، والمراد بهما اليهود والنصارى الذي علموا قريشًا سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الكهف؛ وقال ابن حرب: الحزبان الله سبحانه وتعالى، والخلق كقوله تعالى: {أأنتم أَعْلَمُ أَمِ الله} [البقرة: 140] والظاهر هو الأول لأن اللام للعهد ولا عهد لغير من سمعت {أحصى} أي ضبط فهو فعل ماض وفاعله ضمير {أَيُّ} واختار ذلك الفارسي والزمخشري وابن عطية، وما في قوله تعالى: {لِمَا لَبِثُواْ} مصدرية، والجار والمجرور حال مقدم عن قوله تعالى: {أَمَدًا} وهو مفعول {أحصى} والأمد على ما قال الراغب: مدة لها حد، والفرق بينه وبين الزمان أن الأمد يقال: باعتبار الغاية بخلاف الزمان فإنه عام في المبدأ والغاية، ولذلك قال بعضهم: المدى والأمد يتقاربان، وليس اسمًا للغاية حتى يكون إطلاقه على المدة مجازًا كما أطلقت الغاية عليها في قولهم: ابتداء الغاية وانتهاؤها، أي ليعلم أيهم أحصى مدة كائنة للبثهم، والمراد من إحصائها ضبطها من حيث كميتها المنفصلة العارضة لها باعتبار قسمتها إلى السنين وبلوغها من تلك الحيثية إلى مراتب الأعداد كما يرشدك إليه كون المدة عبارة عما سبق من السنين، وليس المراد ضبطها من حيث كميتها المتصلة الذاتية فإنه لا يسمى إحصاء، وقيل إطلاق الأمد على المدة مجاز وحقيقته غاية المدة ويجوز إرادة ذلك بتقدير المضاف أي لنعلم أيهم ضبط غاية لزمان لبثهم وبدونه أيضًا فإن اللبث عبارة عن الكون المستمر المنطبق على الزمان المذكور فباعتبار الامتداد العارض له بسببه يكون له أمد وغاية لا محالة لكن ليس المراد ما يقع غاية ومنتهى لذلك الكون المستمر باعتبار كميته المتصلة العارضة له بسبب انطباقه على الزمان الممتد بالذات، وهو آن انبعاثهم من نومهم فإن معرفته من تلك الحيثية لا تخفى على أحد ولا تسمى إحصاء أيضًا، بل باعتبار كميته المنفصلة العارضة له بسبب عروضها لزمانه المنطبق هو عليه باعتبار انقسامه إلى السنين ووصوله إلى مرتبة معينة من مراتب العدد، والفرق بين هذا وما سبق أن ما تعلق به الإحصاء في الصورة السابقة نفس المدة المنقسمة إلى السنين فهو مجموع ثلثمائة وتسع سنين وفي الصورة الأخيرة منتهى تلك المدة المنقسمة إليها أعني التاسعة بعد الثلثمائة؛ وتعلق الإحصاء بالأمد بالمعنى الأول ظاهر، وأما تعلقه به بالمعنى الثاني فباعتبار انتظامه لما تحته من مراتب العدد، واشتماله عليها انتهى.
وأنت تعلم أن ظاهر كلام الراغب وهو هو في اللغة يقتضي أن الأمد حقيقة في المدة وأنه في الغاية مجاز وأن توجيه إرادة الغاية هنا بما ذكر تكلف لا يحتاج إليه على تقدير كون ما مصدرية.
نعم يحتاج إليه على تقدير جعلها موصولة حذف عائدها من الصلة أي لنعلم أيهم أحصى أمدًا كائنًا للذي لبثوه أي لبثوا فيه من الزمان. وقيل ما لبثوا في موضع المفعول له وجيء بلام التعليل لكونه غير مصدر صريح وغير مقارن أيضًا وليس بذاك وقيل اللام مزيدة وما موصولة وهي المفعول به وعائدها محذوف أي {أحصى} الذي لبثوه والمراد الزمان الذي لبثوا فيه، و{أَمَدًا} على هذا تمييز للنسبة مفسر لما في نسبة المفعول من الإبهام محول عن المفعول وأصله أحصى أمد الزمان الذي لبثوا فيه وزعم أنه لا يصح أن يكون تمييزًا للنسبة لأنه لابد أن يكون محولًا عن الفاعل ولا يمكن ذلك هنا ليس بشيء لأن اللابدية في حيز المنع.
والذي تحقق في المعتبرات كشروح التسهيل وغيرها أنه يكون محولًا عن المفعول {وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُونًا} [القمر: 12] كما يكون محولًا عن الفاعل كتصبب زيد عرقًا.
ولو جعل تمييزًا لما كان تمييزًا لمفرد ولم يقل أحد باشتراط التحويل فيه أصلًا وجوز في ما على هذا التقدير أن تكون مصدرية وهو بعيد، وضعف القول بزيادة اللام هنا بأنها لا تزاد في مثل ذلك واختار الزجاج والتبريزي كون {أحصى} أفعل تفضيل لأنه الموافق لما وقع في سائر الآيات الكريمة نحو {أيهم أحسن عملًا} [الكهف: 7].
{أيهم أقرب لكم نفعًا} [النساء: 11] إلى غير ذلك مما لا يحصى ولأن كونه فعلًا ماضيًا يشعر بأن غاية البعث هو العلم بالإحصاء المتقدم على البعث لا بالإحصاء المتأخر عنه وليس كذلك، واعترض أولًا بأن بناء أفعل التفضيل من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس وما جاء منه شاذ كاعدى من الجرب وافلس من ابن المدلق، وأجيب بأن في بناء أفعل من ذلك ثلاثة مذاهب الجواز مطلقًا وهو ظاهر كلام سيبويه والمنع مطلقًا وما ورد شاذ لا يقاس عليه وهو مذهب أبي علي، والتفصيل بين أن تكون الهمزة للنقل فلا يجوز أو لغيره كأشكل الأمر وأظلم الليل فيجوز وهو اختيار ابن عصفور فلعلهما يريان الجواز مطلقًا كسيبويه أو التفصيل كابن عصفور، والهمزة في {أحصى} ليست للنقل، وثانيًا بأن {أَمَدًا} حينئذٍ إن نصب على أنه مفعول به فإن كان بمصمر كما في قول العباس بن مرداس:
فلم أر مثل الحي حيًا مصبحا ** ولا مثلنا لما التقينا فوارسا

أكر وأحمى للحقيقة منهم ** وأضرب منا بالسيوف القوانسا

لزم الوقوع فيما فرا منه حيث لم يجعلا المذكور فعلًا ثم قدرا وإن كان به فليس صالحًا لذلك، وإن نصب يلبثوا لا يكون المعنى سديدًا لأن الضبط لمدة اللبث وأمده لا للبث في الأمد، ولا يقال: فليكن نظير قولكم أيكم أضبط لصومه في الشهر أي لأيام صومه والمعنى أيهم أضبط لأيام اللبث أو ساعاته في الأمد ويراد به جميع المدة لما قيل يعضل حينئذٍ تنكير {أَمَدًا} والاعتذار بأنهم ما كانوا عارفين بتحديده يومًا أو شهرًا أو سنة فنكر على أنه سؤال إما عن الساعات والأيام أو الأشهر غير سديد لأنه معلوم أنه أمد زمان اللبث فليعرف إضافة أو عهدًا ويكون الاحتمال على حاله، ووجه أبو حيان نصبه بأنه على إسقاط حرف الجر وهو بمعنى المدة والأصل لما لبثوا من أمد ويكون من أمد تفسيرًا لما أبهم في لفظ ما كقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ ءايَةٍ} [البقرة: 106] {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} [فاطر: 2] ولما سقط الحرف وصل إليه الفعل وهو كما ترى، وتعقب منع صلاحية أفعل لنصب المفعول به بأنه قول البصريين دون الكوفيين فلعل الإمامين سلكا مذهب الكوفيين فجعلا {أحصى} أفعل تفضيل و{أَمَدًا} مفعولًا له، والحق أن الذاهب إلى كون أحصى أفعل تفضيل جعل أمدًا تمييزًا وهو يعمل في التمييز على الصحيح والقول بأن التمييز يجب كونه محولًا عن الفاعل قد ميزت حاله، وثالثًا بأن توهم الإشعار بأن غاية البعث هو العلم بالإحصاء المتقدم علين مردود بأن صيغة الماضي باعتبار حال الحكاية ولا يكاد يتوهم من ذلك الإشعار المذكور، ورابعًا بأنه يلزم حينئذٍ أن يكون أصل الإحصاء متحققًا في الحزبين إلا أن بعضهم أفضل والبعض الآخر أدنى مع أنه ليس كذلك، وفي الكشف أن قول الزجاج ليس بذلك المردود إلا أن ما آثره الزمخشري أحق بالإيثار لفظًا ومعنى أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأنه تعالى حكى تساؤلهم فيما بينهم وأنه عن العارف لا عن الأعرف وغيرهم أولى به انتهى فافهم، وأي استفهامية مبتدأ وما بعدها خبرها وقد علقت نعلم عن العمل كما هو شأن أدوات الاستفهام في مثل هذا الوضع وهذا جار على احتمالي كون {أحصى} فعلًا ماضيًا وكونه أفعل تفضيل، وجوز جعل أي موصولة ففي البحر إذا قلنا بأن {أحصى} أفعل تفضيل جاز أن تكون أي موصولًا مبنيًا على مذهب سيبويه لوجود شرط جواز البناء فيه وهو كون أي مضافة حذف صدر صلتها والتقدير لنعلم الفريق الذي هو أحصى لما لمبثوا أمدًا من الذين لم يحصوا وإذا كان فعلًا ماضيًا امتنع ذلك لأنه حينئذٍ لم يحذف صدر صلتها لوقوع الفعل مع فاعله صلة فلا يجوز بناؤها لفوات تمام الشرط وهو حذف صدر الصلة انتهى.